|

مليونيات.. «2»

المليونيات صارت مصطلحا سياسيا، بأكثر مما هى مصطلح فعلى أو رقمى، فبالحسابات الهندسية التى تعتمد على العلاقة بين المساحة وعدد الأفراد، لم تشهد مصر مليونيات فعلية إلا فى الأشهر الثلاثة الأولى للثورة، وبعدها صارت ألفيَّات فحسب… المشكلة أننا قد اعتدنا، كدول نامية، أن نبالغ كثيرا فى كل شىء، وأن نرفض سماع كلمة العلم فى أى شىء، وعندما كان ميدان التحرير يكتظ بالناس كان بعض مراسلى القنوات الأرضية والفضائية، الذين يتابعون المشهد مباشرة، يقدّر الأعداد التى يراها أمامه بمليون أو مليونين، لأنه يرى آلاف البشر مجتمعين، فى ميدان واحد، على الرغم من أن هناك معادلة هندسية رقمية مساحية معروفة، تقول إن المتر المربع الواحد، لا يمكن أن يضم أكثر من أربعة أشخاص عاديين، أو خمسة متلاصقين، وفى الحالة الأخيرة لن يكون بمقدور أحدهم أن يتحرّك، أو حتى يتنفس، وبناءً على هذه المعادلة، فالحد الأقصى الذى يمكن أن يحتمله ميدان التحرير بكل الشوارع المتصلة به لا يزيد على سبعمئة ألف متلاصقين، بفرض أنهم لا يتحركون، ولا توجد شعرة واحدة، تفصل أحدهما عن الآخر، فلو أمكنهم أن يتحركوا، فالعدد عندئذ ينخفض إلى أربعة أخماس هذا الرقم، وهذا يعنى أن الميدان نفسه لم يشهد مليونيات أبدا، ولكن مجموع الميادين، التى احتشد فيها الناس، جعلها مليونيات.. ومنذ ما يزيد على العام، وفى نفس هذا العمود، وعندما كانت الدعوة للمليونيات شبه أسبوعية، وكان هناك من يشعر بالقوة، فقط لأنه يستطيع ابتكار عناوين ضخمة فخمة ثورية، لكل مليونية، حذرت من أن هذا لن يكون فى صالح الثورة، بل سيؤدى إلى الانقلاب عليها، فالناس فى أى دولة، وفى أى ثورة، تحلم قبل ثورتها بالخلاص، وبعد ثورتها بالاستقرار، لا بأن تتواصل المليونيات بلا انقطاع، وكل ما كنت أخشاه وأحذر منه أيامها، هو أن يسأم الشعب الأمر، ويرهق منه، فيتحوّل إلى تجاهله، ثم الغضب منه، ثم معاداته فى النهاية.. فإذا ما وصل الشعب إلى هذه الحالة، فهو إما أن يميل إلى رفض الثورة، والحلم بعودة النظام السابق، أو يبحث مرة أخرى عن خلاص جديد، من حالة الاحتقان المستمرة، والتى لا يمكن أن تحتملها الأغلبية طويلا.. الأهم أنه عندما سيحتاج الأمر فعليا إلى حشد الشعب من أجل أمر جلل، سيجد الدعاة إلى المليونيات أنفسهم أمام شعب مرهق، لا يرغب فى الانضمام إلى أى مليونية، حتى ولو كان ما يتم الدعوة إليه أخطر مما خرج من أجله فى ما مضى.. تماما كمتنافس فى سباق مسافات طويلة، استهلك قوته كلها فى الكيلومترات الأولى، فعجز فى النهاية عن إتمام السباق… وما زال للحديث بقية.


كتب كل شىء كان فى 11:36 ص. تحت تصنيف , . تستطيع متابعة المواضيع المشابهة عبر هذا الرابط RSS 2.0. ييسعدنا أن تشاركنا برأيك و تترك تعليقك على الخبر

Blog Archive

Labels

Recently Commented

Recently Added